الثلاثاء، 19 مايو 2009

مقطع من رواية ملائكة و شياطين ( Angels & Demons )

كان النزول بطيئا ً راح لانغدون ينزل السلّم المخلّع و القديم درجة درجة ... نحو أغوار أرض الكابيلا تشيجي . " انا نازل إلى داخل الثقب الشيطاني " ، فكّر بينه و بين نفسه . كان ينزل وجها لوجه مع الحائط الجانبي مديرا ً ظهره للفجوة و متسائلا ً كم سيواجه بعد اليوم من اماكن ضيقة و معتمة كهذه و كان السلم يصرّ من كل خطوة يقوم بها في حين كانت الرائحة الحادة و الكريهة المنبعثة من اللحم البشري المتعفن من جهة و الرطوبة من جهة آخرى خانقة . كان لا يزال قادرا ً على رؤية طيف فيتوريا في الأعلى و هي تصوّب موقد اللحام إلى داخل الحفرة في محاولة منها لإنارة درب لانغدون و لكن كلما كان لانغدون ينزل أعمق أكثر و أكثر في اعماق الحفرة كلما خف الوهج الضارب إلى الزرقة و بالتالي فإن الرائحة النتنة هي التي كانت في تزايد مستمر ، و بعد أن كان نزل أثنتي عشرة درجة زلّت قدمه لدى ارتطامها ببقعة متعفنة زلقة فانحنى جسمه للأمام فتمسك عندئذ بالسلّم بساعديه متفاديا بذلك السقوط إلى الأرض و فيما بدأ يلعن الكدمات و الرضوض التي قد أصبحت تملأ ذراعيه راح يجر جسمه على السلّم من جديد معاودا ً النزول في ذلك الثقب الشيطاني .

و بعد أن نزل ثلاث درجات أخريات ، كاد يقع مرة اخرى ، و لكن لم تكن احدى الدرجات هي سبب تعثره هذه المرة إنما الخوف الذي اجفله فهو قد نزل مارا ً بفجوة في الحائط امامه ووجد بالتالي نفسه وجها ً لوجه مع مجموعة من الجماجم و فيما كان يلتقط أنفاسه من جديد ناظرا ً للمكان من حوله ، أدرك أن الحائط عند هذا المستوى كان كله فجوات أشبه بالرفوف ، لا بل بمقابر مجوفة مليئة بالهياكل العظمية ، و قد بدت له هذه الاخيرة وسط الوهج المتألق و المومض كملصّقة مخيفة مصنوعة من محاجز خالية و أقفاص صدرية متعفنة و منحلّة تترجرج من حوله وسط الوميض الخافق .


شعر لانغدون بإرتياح كبير حينما شعر أنه بلغ الدرجة الأخيرة من السلم المؤدية للأرض الموحلة بالأسفل ، فهو كان يشعر برطوبة الأرض تحت قدميه وبعد أن طمأن نفسه أن جدران ذلك الكهف لن تطبق عليه استدار داخل السرداب الدائري بعرض 20 قدما تقريبا و فيكا كان لانغدون قد غطى أنفه بسترته التويدية أدار ناظريه نحو الجثة و قد بدت له الصورة ضبابية وسط الظلام طيف من اللحم الابيض ساكن و صامت و وجه مستدير نحو الجهة الاخرى ، و فيما كان لانغدون يتقدم وسط ظلمة السرداب الضبابي حاول أن يفكر و يدرك ماهية ذلك الشئ الذي كان امامه إذ كان الرجل يدير له ظهره الامر الذي يحول دون رؤية وجهه .

مالذي يجري صاحت فيتوريا من فوق مغيّره اتجاه الضوء غير أن لانغدون لم يجبها فقد كان أصبح قريبا من الجثة بالشكل الذي يمكنه من رؤيتها بالكامل ، و لدى رؤيته لها أثار ذلك المشهد الذي امام عينيه رعشته واشمئزازه ، لقد كان جسم ذلك العجوز أو على الأقل نصف ذلك الجسم يظهر متصاعدا كالشيطان من الأرض الترابية الموحلة فهو كان مطمورا ً في الأرض حتى خصره و قد كان بالتالي وقفا ً و نصفه الثاني تحت الأرض .

أهو ميت سألت فيتوريا ، أجاب لانغدون و هو على وشك أن يتقيأ أنه ميت و قد شاهدت للتو سبب الوفاة فقد كان المشهد رهيبا ً إذ كان فم الرجل مفتوحا إلى أقصى حد ممكن و محشوا بالوحل حتى الإسراف لقد حشا له احدهم حلقة بحفنة من الوحل وقد مات بالتالي اختناقا .

( وحل قالت فيتوريا كما في .... التراب ؟ ) أدرك عندئذ لانغدون شيئا في غاية الاهمية و الخطورة . تراب فهو كاد أن ينسى الوسومات التراب و الهواء و النار و المياه كان في الواقع القاتل قد هدد بوسم كل ضحية بعنصر من عناصر العلم القديمة و قد كان بالتالي العنصر الاول التراب من ضريح سانتي الدنيوي و فيما كان لانغدون قد بدأ يشعر بالدوار جرّاء الابخرة النتنه و الكريهة دار هذا الاخير متجها ً نحو الناحية الامامية من الجثة و فيما كان يقوم بدورته تلك ، عاد لانغدون عالم الرموز إلى الذي في داخله و أكد له بملء صوته الصعوبة الفنية الكامنة في الكتابة الأسطورية لهذه الكلمة على نحو يمكن قراءتها من الجهتين معا ً على حد ٍ سواء . تراب ؟ و لكن كيف ؟ و ما إن مرت لحظة على تساؤلاته تلك حتى تبددت كل شكوكه و ظهر بالتالي الوسم أمامه فراحت تدور في ذهنة قرون طويلة و عريضة من أسطورة الطبقة المستنيرة فقد كان الوسم على صدر الكاردينال ينزّ متفحما ً في حين كان جلده أسود من جرّاء الصفع الذي كان قد تعرض له : اللغة الصافية راح لانغدون يحدق في الوسم فيما بدأت الحجرة تدور من حوله : (( تراب ))


(( تراب )) همس قائلا ليقرأ الكلمة رأسا ً على عقب (( تراب )) عندها شعر بموجة من الرعب و الهول تنتابه إذ أنه توصل إلى قناعة واحدة أخيرة و أكيدة ألا وهي انه لا يزال هو ثلاثة وسومات اخرى .

ليست هناك تعليقات: