‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مقتبسة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مقتبسة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 25 يوليو 2009

هل الأخلاقية أمر فطري / د.مارك دي هاوزر

في 2 يناير 2007 دخلت امرأة ضخمت الحجم كهوف كانغو في جنوب افريقيا و علقت في المخرج الوحيد ، ما ادى إلى احتجاز 32 سائحا ً أخرا ً وراءها . استخراجها عن طريق الحفر لم يكن واردا ً . و الحل الوحيد شكل معضلة أخلاقية مريعة : إما قتل المرأة لتحرير 32 سائحا ً أخرا ً أو تركها تموت مع نظرائها السياح . إنها معضلة لأنها تدفعنا إلى اتخذا قرار بإنقاذ الأكثرية من خلال التضحية بحياة شخص واحد .

لقد بدأ علم أخلاقيات جديد يكشف الكيفية التي ينظر الناس بها في ثقافات مختلفة إلى معضلة كهذه و يحدد العوامل التي تؤثر على القرار و مايتبع ذلك من أفعال ، هذه الدراسات تشير إلى أن الطبيعة توفر قاعدة أخلاقية موحدة مصممة لدفعنا لإتخاذ قرارات سريعة و غريزية موحدة بشأن ماهو صائب و ماهو خاطئ .

افترض أنك موضوع تجربة في اختبار الحس الأخلاقي ( moral.wjh.harvard.edu ) و هو موقع يطرح معضلات كهذه : هل ستقود قاربك بسرعة اكبر لإنقاذ أرواح خمسة أشخاص يغرقون إن كنت تعرف أن أحد الاشخاص في قاربك سيقع في المياه و يغرق ؟ هل تحجب عن اعطاء دواء لمريض يحتضر علما ً بأنه سيموت من دونه و أنه يمكن استعمال اعضائه لإنقاذ ثلاثة مرضى آخرين ؟ هل ستخنق طفلك الذي يبكي إن كان ذلك سيمنع جنودا ً أعداء من اكتشاق موقعكما و قتلكما اضافة إلى ثمان أشخاص آخرين مختبئين معكما ؟

هذه معضلات اخلاقية لأنه ما من أجوبة صريحة وواضحة تعطي الأفضلية لفئة دون الاخرى الأمر المدهش هو أن الناس من خلفيات مختلفة بن فيهم ملحدون و مؤمنون يجيبون بالطريقة نفسها . فضلا ً عن ذلك عندما يسألون عن أسباب اتخاذهم تلك القرارات يجيب معظم هؤلاء الناس بأنهم لا يعرفون لماذا اتخذوها لكنهم متأكدون من صواب خياراتهم .

في هذه الحالات يقول معظم الناس إنه من المقبول قيادة القارب بسرعة لكنهم يترددون في اتخاذ قرار بالإمتناع عن إعطاء الدواء للمريض . ومع أن كثير من الناس يجيبون في البداية بأنه من غير الوارد خنق الطفل فإنهم غالبا ما يغيرون رأيهم ليقولوا أن ذلك مسموح في تلك الحالة .

ماسبب هذه الأنماط الحالتان الاولى و الثالثة تتطلبان التحرك و الحالة الثانية عدم التحرك ، لكن الحالات الثلاث تؤدي إلى إنقاذ عدد من الناس يفوق عدد الموتى : خمسة و ثلاثة و تسعة مقابل وفاة واحدة . في الحالتين الاولى و الثانية يصبح شخص واحد في وضع أسوأ في حين أنه في الحالة الثالثة يموت طفل مهما كان الخيار و في الحالة الاولى يتأذى أحد الأشخاص نتيجة لتأثيرات جانبية الهدف هو انقاذ خمسة و ليس إغراق واحد في الحالة الثانية الهدف هو وضع حد لحياة مريض بغية إنقاذ ثلاثة آخرين .

المفاجئ أن عواطفنا لا تؤثر إلى حد كبير على احكامنا بشأن ماهو صائب و ماهو خاطئ في هذه المعضلات الأخلاقية . في دراسة شملت أفرادا ً تضرر الجزء الذي يربط بين اتخاذ القرارات و العواطف في دماغهم تبين أن هؤلاء المرضى عند مواجهتم معضلات اخلاقية اتخذوا عموما ً القرارات الأخلاقية ذاتها التي يتخذها معظم الناس هذا يشير إلى أن العواطف ليست ضرورية لإتخاذ قرارات كهذه .

غير أن عواطفنا تؤثر إلى حد كبير على أفعالنا و تقييمنا لما هو صائب أو خاطئ قد يكون مختلفا ً عما نختار أن نفعله في وضع ما . على سبيل المثال قد نتفق جميعا أن قتل شخص لإنقاذ عدة أشخاص أمر مباح أخلاقيا ً لكن عندما يحين وقت قتل أحدهم فإن معضمنا لا يجرؤ على ذلك .

و يبرز مثال أخر على الدور الذي تلعبه العواطف فيما يتعلق بأفعالنا في دراسات حديثة أجريت على أشخاص مضطربين عقليا ً لنأخذ المجرمين الذي لعب دورهما هيث ليدجر في فيلم The Dark Knight و خافيير بارديم في فيلم No Country For Old Man هل يميز هذان القاتلان المضطربان عقليا ً بين ماهو أخلاقي و ماهو غير أخلاقي ؟ تشير دراسات أولية جديدة إلى أن الاشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بإضطرابات عقلية يمكنهم التمييز بين ماهو أخلاقي و ماهو غير أخلاقي حسب ماظهر في إجاباتهم عن المعضلات الاخلاقية . الامر المختلف هو سلوكهم .

في حين أن جميعنا نغضب و تراودنا أفكار عنيفة فإن عواطفنا تكبح ميولنا العنيفة عادة ً ، في المقابل فإن المجرمين المضطربين عقليا لاتقيدهم هذه العواطف الكابحة ، إنهم يتصرفون بعنف مع أنهم يعرفون أن ذلك أمر خاطئ لأنهم لايشعرون بالندم أو الذنب أو الخجل .

هذه الدراسات تشير أن الطبيعة زودتنا بقواعد أخلاقية تؤثر في أحكامنا الغريزية بشأن ماهو صائب و ماهو خاطئ . العواطف تلعب الدور الأكبر في التأثير على أفعالنا : مكافاة الأفعال الفاضلة و معاقبة الأفعال الشريرة ، نحن بشكل عام لا نقترف أفعالا ً غير أخلاقية لأننا نعي انها خاطئة ولأننا لانريد دفع الثمن العاطفي للقيام بأمر نعتبره خاطئا ً .

إذا ً هل كنت ستقتل المرأة الضخمة التي تسد مدخل الكهف أو تتركها تموت مع بقية السياح ؟ إذا كنت مثل الاشخاص الاخرين الذي أجابوا عن اسئلة اختبار الحس الأخلاقي فستقول أن قتلها مسموح لان ذلك سوف يحدث في كل الأحوال . لكن هل بإمكانك أن تقتلها حقا ً ؟

لحسن الحظ كان الحل أبسط : فقد تم استعمال زيوت البارافين لإخراجها بعد 10 ساعات .

الأحد، 21 يونيو 2009

لماذا يعشق الزعماء العرب الراقصة - د. أحمد طحان

دعيت كرئيس للمجلس الثقافي، الى ندوة فكرية، وبينما كنت أتداول مع بعض المثقفين بآثار الحرب اللبنانية وسياسات حزب الله ومواقف بعض الأنظمة العربية ازاء التحديات الكبرى القادمة . طلّتْ من رأس القاعة فنّانة معروفة ، فانصرف الجميع تقريبا للترحيب بجمالها وبما ظهر من جسدها الأبيض النافر ، تركني الجميع وبقي بجانبي رئيس المنتدى العربي فقط . اتجه الباقون حتى رجال الدين الى الراقصة ، وفورا ً ظهر أمامي شريط وثائقي سريع يقارن بين وضع العاِلم العربي وبين الراقصة في وطني العجيب : في العالم العربي اليوم ما يقارب من 80 الف عالم حسب تقرير اليونيسكو التحدي الذي يواجه الجنوب بمعدل عالم واحد لكل 3750 انسان عربي . يقابل هذا العدد من العلماء العرب وجود نصف مليون راقصة عربية ، بمعدل راقصة واحدة لكل 600 انسان عربي .

وبينما يزداد عدد الراقصات بفضل جهود الفضائيات العربية وشركات انتاج الثقافة السفلية يقل عدد العلماء العرب بفضل الهجرة والتهجير والابعاد ثم بفضل التقتيل والاغتيالات في الحروب الضالة في المحيط العربي وبخاصة في العراق وفلسطين ولبنان ثم بفضل نصائح الأهل لاولادهم أن يتعلموا الرقص بدلا عن العلوم .

تشير الأرقام الى ان القنوات الفضائية ( النافرة ) في الوطن العربي ُتخرّج راقصة عربية واحدة في كل يوم، مما يعني ان عدد الراقصات المتخرجات في سنة واحدة في الوطن العربي ربما يفوق عدد العلماء العرب خلال عشرين سنة تقريبا ، وبذلك قد يصبح قريبا جدا لكل بيت عربي راقصة .

من ناحية ثانية، تقدر بعض الأوساط ( خصوصا الضرائب والمخابرات وأحاديث النساء ) ان متوسط دخل الراقصة النشيطة في العالم العربي يقدر بحوالي ثلاثة ملايين دولار سنويا ، وهو ما يعادل ألف ضعف راتب العالم العربي النشيط بكل أبحاثه ومؤلفاته واختراعاته ، وهذا يعني ان شركة فنية مقتدرة يملكها أمير مقتدر ماليا تستطيع توظيف كل علماء الوطن العربي بما تشاء من المهن بمستحقات 250 راقصة نشيطة وذات مواهب خاصة . والأمثلة المندية للجبين كثيرة .

فارق آخر طرأ في بالي، بين العلماء العرب والراقصات العربيات هو ان اكثر من 65% من العلماء العرب اما عاطلون عن العمل او يعملون بغير تخصصاتهم وهو ما يسمى اقتصاديا بالبطالة المقنعة بينما هناك اعلانات دائمة عن الحاجة المستميتة للمزيد من الراقصات العربيات النشيطات ذوات المواهب الخاصة وبخاصّة لرجال الأعمال في المناطق البحرية .

قالت بعض أوساط الفضائح في الصحافة اللبنانية وهي الأقوى في العالم العربي أن فلان الفلاني دفع لفلانة الراقصة ستة ملايين دولار من المال واشترى لها قصرا ومحلا للمجوهرات نظير الرقص الدائم وأن الصفقة مسجلة مع كل متتبعاتها على شريط فيديو موجود على بعض الاِي ميلات الخاصة .

الفارق الأهم بين العلماء والراقصات هو أن العلماء يعانون الأمرّين في البحث عن عمل، أو حتى مقابلة أرباب العمل، في الجامعات وغير الجامعات وهم مبعدون عن رجال السياسة والحكم لأن هؤلاء بالعموم يكرهون من يقول لهم لا ، أما الراقصات فيبحث عنهن الكثيرون وبخّاصة الأثرياء والزعماء بل ُتضرب اِليهن أكباد الابل وهنّ في الكثير من المجتمعات المخملية الحكام الحقيقيون في المجتمع ولا يقولون لا مطلقا ً .

العلماء العرب لا دور لهم في النظام العربي الحديث هم مهمشون منبوذون بل ومحتقرون من أنظمتهم كجزء من سياسة التخلّف لأن معظم الأنظمة الحالية تقوم على التلفيق وسرقة حقوق الشعوب والتركيز على الاستهلاك كما تقوم على تقديس انتاج علماء الخارج وتحقير الانتاج الذاتي على قلّته .

العلماء لا يجيدون الرقص على أنغام التفاهة العربية التي تميز الزمن الرديء الذي نعيشه اليوم أمّا الراقصة فهي دائما حبيبة الزعماء العرب لأنهم ( الزعماء والراقصة ) يهيمون بمقامات الخارج ولا يبحثون في القضايا المزعجة وبخاصة مجازر لبنان وفلسطين والعراق والشرق الأوسط القادم الينا مع المشروع النووي الايراني .

لذلك لا يمكن أن يتجرأ مستثمر عربي على انشاء قناة فضائية علمية تهتم بشؤون العلم والعلماء مقابل أكثر من مائة فضائية تتحفنا كل ثانية بآخر أخبار الآهات والايحاءات الراقصة أذكر أنني التقيت الدكتور احمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء خلال عملي مديرا لتحرير مجلة العالم وبحثتُ معه في أهم أسباب التخلف العلمي في الوطن العربي ، مما قاله الدكتور زويل آنذاك أن السبب الرئيسي لهذا التخلف المتطور هو عدم وجود الجدية والمثابرة لدى معظم العلماء العرب أنفسهم وعدم وجود الحرص لدى معظم أصحاب القرار العربي ماليا وسياسيا لتبنّي مبادرات عملية قادرة على تحويل التمني والتغني الى واقع علمي على الأرض .

و قال زويل أنه سمع الكثير من العواطف والوعود من العديد من الزعامات والمسؤولين العرب، بشأن مشروعه للنهوض بالحركة العلمية في البلاد العربية ولكنه كما قال لم يحصل على التمويل اللازم لاقامة المختبرات وتجهيزها على النسق العالمي اللازم وتقديم الحوافز والحماية للعلماء كما أنه لم يجد الدولة العربية القادرة على تحمّل المسؤولية التاريخية للبحث العلمي . هكذا انتهى حلم احمد زويل بنهضة علمية عربية على النسق الذي تعلمه في العالم المتقدّم خلال تجربته العلمية الناجحة.

ذكرتُ في كتابي ( حتمية التغيير في الشرق الأوسط الكبير - دار المعرفة- 2006) أن المتغيرات الهامة في التاريخ، كالثورات العلمية والصناعية لا تحدث فجأة أو صدفة في حياة الشعوب وانما هي نتيجة حتمية لثورات ضخمة وتراكم معرفي واصرار علمي وانساني على التغيير وأن ما حدث في الغرب من نهضة علمية وتقنية انما كان نتيجة محصلة علمية واجتماعية مساحتها اكثر من 400 سنة من الزمان وآلاف العلماء والمحاولات والاكتشافات والخيبات والنجاحات، وقبل كل ذلك نتيجة الاصرار والاخلاص والصدق وانكار الذات من العلماء والانظمة على حد سواء.

عندما نحقق في الوطن العربي متطلبات التقدم العلمي، كما فعل الاوروبيون، وبخاصة تكامل المال والعقول والعزائم، ونتخلّص من عقد الدونية والانهزام والتبعية و الاستهلاك والاستيراد المعلّب عندها يصبح عدد العلماء العرب أكبر من عدد الراقصات . ويصبح انتاج العلماء العرب المالي والحضاري أعظم بكثير من انتاج الراقصات ويصبح الطلب على العلماء أكبر من الطلب على الراقصات . و تصبح المختبرات أهم من البارات وتبدأ الأمة مسيرة النهضة بانتظار الزمن القادم البعيد على ما يبدو، لملمتُ أوراقي الثقافية وانصرفتُ من الندوة .

السبت، 23 مايو 2009

الإسلام والغرب... التعايش الممكن

لفترة طويلة احتكر المتطرفون والإرهابيون التغطية الإعلامية التي تفرد حيزاً واسعاً لتعليقاتهم ، لدرجة التصق فيها الخطاب المتشدد بالعالم الإسلامي وأصبح بمثابة الرسالة التي يوجهها للعالم. لكن في خضم كل ذلك هناك أسئلة كثيرة تطرح، من قبيل : كيف تفكر الأغلبية الساحقة من المسلمين العاديين وكيف تشعر وترى الأمور من وجهة نظرها الخاصة ؟ ما هي آمالهم ومخاوفهم ؟ وما هي أوجه الظلم التي يستشعرونها وينوءون بحملها ؟ وما السبب وراء شعور الكراهية المتصاعد ضد أميركا، والذي يجتاح العالم الإسلامي ويكاد لا يستثني أحداً؟ هل هي مؤشر على صدام الثقافات ، كما يرى البعض ؟ وهل يكره المسلمون حرياتنا فعلاً ، أم أنهم مستاءون من أفعالنا وسياستنا الخارجية ؟

وبدلاً من الاستماع إلى صوت المتطرفين والتعامل معه كنموذج ممثل للعالم الإسلامي، أو الاكتفاء بآراء الخبراء والمتابعين لشؤون المسلمين، لماذا لا نتوجه مباشرة إلى تلك الغالبية الصامتة من المسلمين لاستطلاع رأيها واستكناه مواقفها دون واسطة أو تدخل؟ تحقيقاً لهذا الغرض طرحنا مجموعة من الأسئلة على المسلمين في مختلف بقاع العالم حول آرائهم الحقيقية لنخرج بخلاصة أساسية مفادها أنه عندما تُترك الكلمة للإحصاءات والبيانات ونعطيها الفرصة لتقود الخطاب وتتحكم فيه، بدل الانطباعات والأهواء، فإن الأمور تتضح: إذا كانت المشكلة تكمن في الإسلام الراديكالي الذي يحرض على العنف ويرتكز على تفسيرات متطرفة للدين، فإن الحل الأمثل لمواجهته يكمن في الإسلام المعتدل وليس شيئاً آخر مثل العلمانية التي تدعو إليها بعض النخب، لاسيما في نسختها المتطرفة واللادينية.

لذا جاءت الدراسة الجديدة التي قمنا بها تحت عنوان "من يتحدث باسم الإسلام؟ ما هو الرأي الحقيقي لمليار مسلم؟"، لتعكس مواقف حوالي 1.3 مليار مسلم. وقد امتدت الدراسة على مدى ست سنوات قمنا خلالها بأبحاث متواصلة طالت أكثر من 50 ألف مستجوب يتوزعون على 35 بلدا تقطنها غالبية سكانية مسلمة أو تتوفر على أعداد كبيرة من المسلمين. ويُعتبر استطلاع الرأي الذي يمثل أكثر من 90% من السكان المسلمين في العالم، أول دراسة شاملة من نوعها تسعى إلى استكناه آراء المسلمين ومعرفة مواقفهم إزاء عدد من القضايا العالمية. وتتحدى النتيجة النهائية للدراسة المقولات الكلاسيكية حول صراع الحضارات، أو حتمية المواجهة بين الإسلام والغرب، حتى في ظل الحروب الدائرة حالياً في أفغانستان والعراق. وفي بعض الأحيان خرجت الدراسة بنتائج مدهشة وغير متوقعة عندما أظهرت مثلاً أن المسلمين، شأنهم شأن الأميركيين، يرفضون استهداف المدنيين ويعتبرون ذلك أمراً غير مبرر من الناحية الأخلاقية. أما الذين اختاروا العنف والتطرف كوسيلة للرد على خصومهم، فإن الدراسة كشفت بأن ما يدفعهم إلى ذلك هو السياسة، وليس الفقر أو التدين. والأكثر من ذلك أنه من بين 7% من المستجوبين الذين اعتبروا هجمات 11 سبتمبر مبررة، لم يعبر أي منهم عن كرهه للحريات الأميركية، بل بالعكس تماماً أظهرت الدراسة توقهم الجارف لحرياتنا. لكنهم في الوقت نفسه يعتبرون أن الولايات المتحدة، والعالم الغربي عموماً، يتبنى سياسة مزدوجة تقوم على الكيل بمكيالين تقف في وجه المسلمين وتحول دون رسمهم لمستقبلهم باستقلالية وحرية.

المسلمون يرون أن أفضل وسيلة ينتهجها الغرب لتحسين علاقاته بمجتمعاتهم، هي تغيير نظرته السلبية للإسلام، وإعادة النظر في سياساته الخارجية!

ومع أننا في الغرب تنهال علينا صور الشباب المسلم الغاضب وهو يشارك في مظاهرات عنيفة تجوب الشوارع وتتوعد الغرب، أو شباب آخر يلتحق بتنظيم "القاعدة" ويتدرب في معسكراتها، إلا أن الدراسة أظهرت كيف يحلم الشباب المسلم في غالبيته بالحصول على الوظائف والعيش بسلام بدل الذهاب إلى الحرب وخوض المعارك. وعندما سألنا الشباب المسلم عن أحلامهم المستقبلية اتفق أغلبهم على أنها تتمثل في تحصيل فرص عمل جيدة وضمان الأمن الاجتماعي لهم ولأسرهم، ولم يعبر سوى القليل منهم عن رغبته في تبني العنف سبيلاً للتغيير. وقد أبانت الدراسة أيضاً أن المسلمين في مختلف أنحاء العالم ينفرون من العلمانية، كما من الحكم الديني، وهم يسعون، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم في الغرب، إلى مزيد من الحريات والحقوق والديمقراطية. لكن في الوقت نفسه يعتقد غالبية المسلمين بأن على المجتمع أن يستند إلى القيم الإسلامية، وبأن تكون الشريعة مصدراً من مصادر التشريع فيه.

ولا شك أن الغرب سيُسر كثيراً إذا ما عرف أنه من بين كل عشرة مسلمين هناك تسعة يتبنون آراء معتدلة. ويرى المسلمون أن أفضل وسيلة ينتهجها الغرب لتحسين علاقاته مع مجتمعاتهم، هي تغيير تلك النظرة السلبية التي يحملها عن المسلمين وعن الإسلام، فضلاً عن إعادة النظر في سياساته الخارجية. وتبقى الأخبار غير السارة أن عدداً كبيراً من المسلمين الراديكاليين الذين يشكلون 7% من مجموع المسلمين (تتحول هذه النسبة إلى 91 مليون مسلم في العالم)، مستعدون لارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين. وستواصل هذه الراديكالية تحديها للغرب طالما ظل الشعور بالإقصاء السياسي والظلم مهيمناً على المسلمين. وتخلص الدراسة في النهاية إلى أن الصراع بين المسلمين والغرب ليس حتمياً، وبأنه مرتبط بالسياسة أكثر منه بالدين. لكن ما لم يستمع صناع القرار مباشرة إلى الأشخاص العاديين ويتخلصوا من التصورات المغلوطة التي تتحكم في الإدراك، سيواصل المتطرفون على الجانبين معاً اكتساحهما لمواقع جديدة.


بقلم : جون إسبوزيتو , داليا مجاهد

الأربعاء، 20 مايو 2009

التعذيب انتهاك للقانون الدولي

في 11 سبتمبر 2001 عندما تم ضرب البرجين، كنت اجلس في اجتماع في لاهاي لمناقشة ما الذي يجب ادراجه في لائحة اتهام بحق سلوبودان ميلوسيفيتش بشأن ارتكاب جرائم حرب في البوسنة. وكنت محاميا اميركيا يعمل مدعيا في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ولم يكن هناك اي شك بانه يجب اتهام ميلوسيفيتش بتحمله المسئولية عن التعذيب والمعاملة الوحشية للاسرى. فبصفته رئيسا للدولة في ذلك الوقت الذي ارتكبت فيه هذه الجرائم، يتحمل ميلوسيفيتش المسئولية الكاملة عما حدث تحت سمعه وبصره.

عندما كنت في لاهاي كنت اشعر بأني اقف في صف طويل من المدعيين الاميركيين الذين يعملون لصالح العالم حيث تقيد المعايير الدولية ما يمكن ان تلحقه دولة باخرى اثناء الحرب، ويمتد ذلك للوراء على الاقل الى القاضي روبرت جاكسون في محاكمات نوريمبيرج. فقد حمت هذه المعايير جنودنا ومواطنينا. كما انها كانت ايضا اخلاقية وعادلة. ولذلك فانا لم افهم لماذا، وبعد اشهر قليلة من الهجمات في 2001، سحبت ادارة بوش موافقتها على الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية. أليست المحاسبة على جرائم الحرب هي احد الاشياء التي تناضل اميركا من اجلها؟ على الرغم من ان البقاء في المحكمة لم يكن يعني ان الولايات المتحدة يمكن ان تخضع للاتهام في تلك المحكمة، فلماذا يحدث ذلك اذاً؟ بالتاكيد فاننا لن نرتكب تلك الاعمال. وباي حال فان المحكمة يمكن فقط ان تقاضي الشخص الذي ترفض حكومته مقاضاته، ومن المؤكد ان هذا الامر لن يحدث في الولايات المتحدة. ومع ذلك وبعد سبع سنوات من ذلك فاننا نتجادل هنا عما اذا كان يجب علينا اعفاء مسئولين كبار في ادارة بوش من المحاسبة عن الاشياء التي ارتكبوها في "الحرب على الارهاب."

في 2001 وفي السنوات القليلة الاخيرة، فاننا في المحكمة الدولية اقمنا حجة قضائية قوية بحق ميلوسيفيتش. فقد قدمنا دليلا بانه كان يسيطر فعليا على الجنود والقوات شبه العسكرية الذين عذبوا الاسرى وارتكبوا اعمالا قبيحة. وقدمنا للمحكمة تقارير مجازر تم تسليمها لميلوسيفيتش من قبل منظمات دولية تظهر معرفته بما كان يجري تحت امرته. وشاهدنا ادانة رؤساء دول اخرين بجرائم مماثلة من بينهم تشارليز تيلور في ليبيريا وبالطبع صدام حسين في العراق.

في نفس الوقت، كنت اراقب بفزع التغييرات التي كانت تحدث في بلدي. الاحداث معروفة جيدا الان وهي ابوغريب وجونتانامو وعمليات التسليم السرية لسجناء الى بلدان يمكن ان يتعرضوا للتعذيب خلال التحقيق معهم فيها والسجون السرية لوكالة المخابرات المركزية التي لا يبدو انها لا تحكمها اي قوانين. حاولت ان اجيب باقصى ما يمكنني على الاسئلة من زملائي الدوليين في لاهاي بشأن ما يحدث في ولبلدي. ولكن مع ظهور عمليات كشف اعلامية تغطي كل منها على الاخرى، اجد نفسي وليس لدي الكلمات لاجيب بها.

يحدوني الامل في ان تقلب الولايات المتحدة الصفحة عن هذه الاوقات وتعود الى القيم التي ابقت بلدنا لسنوات طويلة. غير اننا لا يمكن ان نتوقع ان نستعيد وضع قيادتنا في العالم الا اذا الزمنا انفسنا بنفس المعايير التي نتوقعها من الاخرين. وهذا يعني معاقبة اكبر المسئولين الحكوميين المسئولين عن هذه الجرائم. فاذا كنا قد طالبنا ذلك من البلدان الاخرى التي رجعت عن السير في الجانب المظلم، فعلينا ان نتوقع من انفس ما لا يقل عن ذلك.

ليس معنى القول بانه يجب ان نلزم انفسنا بنفس معايير العدالة التي نطبقها على سلوبودان ميلوسيفيتش وصدام حسين ليس معناه القول ان مستوى جرائم قادتنا تقارب جرائم هؤلاء. الحمد لله انه لا يوجد اي دليل على ذلك. ومع ذلك فان التعذيب والمعاملة الوحشية هي بمثابة انتهاكات للقانون الانساني الدولي شأنها في ذلك شأن القتل والابادة الجماعية. وهي تتطلب ردا قضائيا. ولا يمكن ان نتوقع من بقية البشر العيش في عالم لا نرغب نحن انفسنا في العيش فيه.

بقلم : مارك ماكيون