الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

انطون تشيخوف ( Anton Chekhov )

ولد انطون تشيخوف عام 1860 في مدينة تاغنروغ ، وهي ميناء محلي يقع على ضفاف بحر أزوف جنوب روسيا . كان تشيخوف الأبن الثالث من ستة أبناء لأب يعمل في التجارة . دخل تشيخوف مدرسة ابتدائية للصبيان ، وفي عامه الثامن أرسل إلى مدرسة خاصة . اشتهر أنطون هناك بتعليقاته ومزاحه وبراعته في إطلاق الألقاب الساخرة على الأساتذة .

كان أنطون عاشقا للمسرح والأدب منذ صغره، وحضر أول عرض مسرحي في حياته (أوبرا هيلين الجميلة من تلحين باخ) عندما كان في الثالثة عشرمن عمره . وكان ينفق كل مدخراته اليومية لحضور المسرحيات ، حيث كان مقعده المفضل في نهاية صالة العرض لإنخفاض سعر التذكرة هناك .

عمل تشيخوف بالتمثيل في مسرح الهواة ، وأحيانا كان يؤدي أدوارا في عروض المسرح المحلي . وقد حاول آنذاك كتابة قصص فكاهية ، كما إنه ألف في تلك السن أيضا مسرحية طويلة أسماها "بلا أب" لكنه تخلص منها فيما بعد.

أنهى تشيخوف معهد الطب وعمل طبيبا ممارساًً. ولذلك نجد الكثير من الأطباء من بين أبطال قصصه مثل آستروف وديموف وإيونيتش ، وأبطال قصصه المسلسلة تحت عنوان " جراحة " وقصة " الردهة رقم 6 " وغيرها من القصص .

جهد تشيخوف من اجل إعالة جميع أفراد عائلته . واصيب بمرض السل عندما كان شاباً ، وكان مرضه معروفاً بالنسبة له ، غير انه لم يعالج نفسه نهائيا ً. فنصحه الأصدقاء بالسفر للعلاج في مصح بادن فيير بألمانيا . لكنه توفي هناك في 15 يوليو/تموز عام 1904 بعيداً عن الوطن والأصدقاء . وتم نقل جثمان الكاتب الروسي العظيم إلى روسيا . حيث دفن تشيخوف في مقبرة نوفوديفيتشي بموسكو التي تضم رفات مشاهير روسيا .

عاش تشيخوف كإنسان متواضع و نزيه مثلما كتب هو قائلاً " في الإنسان كل شيء يجب أن يكون رائعاً : وجهه ، وهندامه ، وروحه ، وأفكاره ".

يعتبر تشيخوف من عمالقة الأدب الروسي كما أنه من أفضل كتاب القصة القصيرة على مستوى العالم. كتب عدة مئات من القصص القصيرة ويعد الكثير من اعماله ابداعات فنية كلاسيكية خالدة مثل " وفاة موظف " و" مزحة " و" جهاز العروس" و" حكاية مملة " . كما كتب تشيخوف عام 1890 وهو في قمة نضجه وصعوده إلى ذروة الأدب الروسي القصة الوثائقية " جزيرة سخالين" التي تتحدث عن رحلته إلى تلك الجزيرة النائية الواقعة عند الشواطئ الشرقية لروسيا .

تركت مسرحيات تشيخوف أثرا عظيما على فن الدراما في القرن العشرين مثل : "طائر النورس" و"الخال فانيا" و"الأخوات الثلاث" و" بستان الكرز" وغيرها .

قال الاديب الروسي ليف تولستوي أحد أعظم كتاب الرواية في العالم : " لقد أسس تشيخوف أشكالا جديدة لفن الكتابة في العالم أجمع ، لم أر مثلها في أي مكان آخر . وبعيدا عن كل تواضع مزيف أؤكد أن تشيخوف أرفع مني بكثير" .

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

التوأئم المتشابهه ( Identical Twins )

التوأئم المتشابهه صورة شهيرة تم التقاطها في 1967 من قبل المصورة الأمريكية صاحبة المناظر المثيرة للقلق Diane Arbus .

و بالصورة نرى فتاتان بعمر السابعة يقفان جنبا ً إلى جنب و يحدقون مباشرة إلى الكاميرا بلباس أسود قصير و متطابق مع تلك اللفافة البيضاء على الشعر الأسود مع ابتسامه خفيفه تعبر من خلالها الفتاة الأولى عن رضاء بسيط بينما ملامح عدم رضاء على وجه الفتاة الثانية .

هناك عدد من التفسيرات لمعنى هذه الصورة يقال انها ترمز إلى الهوية ، من أنا .. من أنت و هذه الرؤية المزدوجة تعبر عن الحياة الطبيعية في الغرابة ، والغرابة في الحياة الطبيعية .

الصورة بيعت عام 2004 بمبلغ 468.700$ و بذلك أصبحت عاشر أغلى صورة في ذلك الوقت .

هذه الصورة اقتبس منها المخرج الأمريكي ستانلي كيوبرك مشهد شهير و متميز في فيلمه الرائع الوميض The Shining الذي تم عرضه في عام 1980 .

الخميس، 13 أغسطس 2009

( إذا عرف السبب بطل العجب )

السيد : كل ماعلينا فعله هو اخذ تلك القمامه و حرقها و دفنها في مكان ما بعيد عن المدينة .

الخادم : ربما هناك في تلك القرية الصغيرة .

( القرية التي يعتمد سكانها على الأبار الجوفية للحصول على المياه العذبة للشرب )

بعد برهة من الزمن

الخادم : ياسيدي لقد تم التخلص من كل القمامات في المكان المتفق عليه .

السيد : أحسنت استمرو بفعل ذلك .

بعد سنوات من ذلك

الخادم : سمعت أن هناك عدد كبير من الأطفال الذين أصيبوا بتشوهات خلقية غريبة في تلك القرية !!!

السيد : اووه كم هذا حزين ، في المرة القادمة و أثناء الإنتهاء من تصريف تلك القمامة أرسلو شخص من أجل أن يتفقد أحوالهم و يقدم المساعدة المالية لمن يحتاج ذلك . !

الاثنين، 10 أغسطس 2009

قصة حب استثنائية ، شفقة وخطر ( Imagining Argentina )

من اخراج و كتابة Christopher Hampton

مأخوذ من رواية تحمل نفس الإسم لـ Lawrence Thornton

من بطولة
Antonio Banderas
Emma Thompson

تدور أحداث الفيلم في الأرجنتين أيام السبعينات من القرن الماضي ، أي الوقت الذي شهد حكم الجنرالات الديكتاتورية ، وتحكي قصة الفيلم عن كاتب المسرحيات كارلوس ريودا المتزوج من الصحافية الناشطة سياسيا ً سيسليا و ابنتهم التي تدعى تيريزا .

تلك الفترة شهدت اختفاء العديد و العديد من الأشخاص تحت ظروف غامضة ، الزوجة الصحافية تكتب مقالة عن مشكلة الاختفاء وبالتحديد تكتب عن اختفاء طلاب نتيجة لتذمرهم من سعر تذكرة الباص وكيف أنه أمر تافه ليقبض عليه الشخص ، ليتم اختطافها من منزلها هي الأخرى بعد كتابتها للمقالة .

كارلوس ريودا لديه موهبة تتمثل بقدرته على معرفة ماذا حصل لهؤلاء المختطفين ومعرفة ماذا حدث لهم بالتحديد وذلك بالتحدث إلى شخص قريب للمفقود ، و بحكم أن السلطة ليس لديها اهتمام بالبحث أو اعطاء أي معلومات بشأنهم لعدم معرفتها بأحوالهم كما تقول ، يبدأ بعض أفراد الشعب بزيارته ( كارلوس ريودا ) لمعرفة ماذا حدث لأقربائهم من أجل راحة البال على الأقل ، إذ انه حتى ولو كان الشخص المفقود متوفى فإنك على الأقل تعرف ذلك تعرف ماذا حصل له حتى لا يكون لديك أمل زائف قد يؤثر عليك أكثر في المستقبل .

يوم بعد يوم يكسب كارلوس ريودا شعبيه أكبر و بالتالي يصبح خطر على الحكومة التي تنفي علاقتها بالمفقودين من الأساس و بالتالي تقرر فعل شئ من أجل ذلك .

الفيلم يبين فترة السبعينيات السيئة بالأرجنتين و كيف كان الحكم العسكري الدامي بها في ذلك الوقت . و يبين كيف كان يتم سجن الأشخاص من دون محاكمة وكيف كان يتم تعذيبهم في السجون وكيف كانت السلطات تتجاهل البلاغات المقدمة لهـا ، وكيف تتم تصفية هؤلاء المجرمين من وجهة نظر السلطة .

بعيدا ً عن الفيلم تلك الفترة شهدت فيها الأرجنتين فقدان أكثر من 30000 شخص ( أطلق عليها مصطلح الحروب القذرة ) حيث أن الحكومة قبضت عليهم دون أي مبررات قانونية و قامت بالتخلص منهم و من ثم اخفاء معالم جريمتهم . إذ أنه حتى اليوم لاتزال هناك مطالبات بتحقيق العداله و محاكمة منتهكي حقوق الإنسان .

An Extraordinary Story of Love Compassion and Danger

الخميس، 6 أغسطس 2009

صور ثلاث - فرجينيا وولف Virginia Woolf

الصورةُ الأولى
من المستحيل على المرءِ أن يتجنّبَ رؤية الصور ؛ فلو كان أبي حدّادًا ، وأبوك كان أحد النبلاء في المملكة ، فسنحتاجُ حتمًا إلى أن نكون صورًا لبعضنا البعض .

لن يكون بوسعنا أن نهربَ جماعيًّا من إطار الصورة عن طريق قول كلماتٍ مألوفة . أنت تراني منحنيًا أمام باب دكان الحدادة ممسكًا في يدي بحدوة حِصان فتفكرُ وأنت تمرُّ جواري : يا له من مشهدٍ رائع يستحق التصوير

وأنا ، حين أراك جالسًا بثقة واطمئنان شديد في السيارة ، كأنك ذاهبٌ كي تنحني أمام حشود العامة، أفكّرُ : يا لها من صورة لإنجلترا الأرستقراطيّة العريقة المترفة ، كلانا مخطئٌ تماما في حُكمه دون شك ، لكنه أمرٌ محتوم . هي تلك الطريقة التي تجري بها الأمور على مدار الأيام .

فاليوم رأيت عند منعطف الطريق واحدةً من تلك الصور . ربما كان اسمُها عودةُ البحّار إلى الوطن ، أو ربما كان اسمًا شبيهًا بذلك .

بحارٌ أنيق و شاب يحمل مِخْلاةً ، فتاةٌ يدُها في ذراعه ، والجيران محتشدون حولهما ، وحديقةُ كوخٍ ريفيّ صغير متوهجةٌ بالورود
حين يمرُّ المارُّ سوف يقرأُ في أسفل تلك الصورة أن البحّارَ كان عائدًا لتوّه من الصين ، وأن ثمة مأدبةً رائعة كانت تنتظره في ردهةِ الدار ، وأن هديةً في مخلاته كان جلبها البحّارُ لزوجته الشابة ، وأنها كانت سرعان ما سوف تحمل وتنجب له طفلهما الأول .

كلُّ شيء كان مضبوطًا وجميلاً وكما يجب أن يكون ، هكذا يشعرُ المرءُ حيال تلك الصورة . ثمة شيءٌ ما كان يوحي بالهناء والرضا في مرأى مثل هكذا سعادة ، فالحياةُ تبدو أكثرَ حلاوةً وفتنةً عن ذي قبل . هكذا كان تفكيري وأنا أمرُّ بهم ، ثم أقوم بملء فراغات الصورة بأكثر ما يمكنني من زخم واكتمال ، أتأمّلُ لونَ فستانِها ، لونَ عينيه ، وأرقب القطّة التي لها لونُ الرمل وهي تنسلُّ خِلسةً حول باب الكوخ .

لبرهة من الزمن ظلّتِ الصورةُ تسبحُ في عينيّ ، بحيث تجعل معظمَ الأشياء تبدو أكثر بريقًا ودفئًا، وأكثر بساطةً من المعتاد ، بحيث تجعل بعضَ الأشياء تبدو سخيفةً خرقاء ، وبعضَ الأشياء خاطئةً وبعضَها صحيحةً وأكثر امتلاءً بالمعنى عما قبل .

في لحظات نادرة خلال ذلك اليوم واليوم الذي يليه كانتِ الصورةُ تعودُ إلى العقل، فيفكر المرءُ بحسد لكن على نحو طيّب بالبحّار السعيد وفي زوجته ، ثم يتساءل المرءُ عما عساهما يفعلان ، وماذا تُراهما يقولان الآن .

الخيالُ يمدُّنا بصورٍ أخرى تنبثق من الصورة الأولى : صورة البحّار وهو يقطّع حطبَ الوقود ، وهو يسحبُ الماء من البئر ، فيما يتكلمان عن الصين ، والفتاةُ التي وضعت هديته فوق جدار المدفأة ليكون بوسع كل من يأتي أن يراها ، راحت تحيك في ملابس طفلهما القادم ، بينما كانت كلُّ النوافذ والأبواب مفتوحةً على الحديقة بحيث تصفّق الطيورُ بأجنحتها وترفرف من مكان إلى آخر والنحلاتُ تطنُّ، و روجرز (هكذا كان اسمه ) لا يستطيع أن يصفَ إلى أي مدى كان كلُّ ذلك مُرضيًا له بعد عُباب بِحار الصين. بينما كان يدخن غليونه، وقدمه ممدودةٌ في الحديقة .


الصورةُ الثانية
في منتصف الليل دوّتْ صرخةٌ عالية في كل أنحاء القرية . بعد ذلك كان ثمة صوتٌ لشيء يجر ساقيه ، وبعدها سكونٌ مطبق . كل ما كان يمكن رؤيته من النافذة هو غصنُ شجرة الليلك الذي يتدلى عبر الطريق على نحو مضجر دون حراك . ليلةٌ حارّة خامدة . بلا قمر . الصرخةُ جعلت كلَّ شيء يبدو مشؤومًا .

من الذي صرخ ؟ لماذا صرخت ؟ كان صوتَ امرأة ، تسبّب فيه هولٌ عظيم لشعورٍ يكاد يكون خلوًا من النوع ، خلوًا من التعبير. كان صوتٌ كأنه الطبيعةُ البشرية تصرخ ضدَّ جَوْرٍ ما ، ضد رعبٍ يفوق التصوّر . ثم عمَّ سكونٌ كالموت . النجوم ظلّت تلمع بثباتٍ متقن . والحقول ترقد ساكنة . والأشجار صامتة دون حراك .

مع ذلك بدا كل شيء مذنبًا ، ثابتةٌ عليه التهمة ، ومنذرًا بالشؤم . يشعر المرءُ كأن شيئا ما يجب أن يحدث . كأن ضوءًا ما يجب أن يظهر متقاذفًا ومتخبّطًا بقلق . شخصٌ ما يجب أن يظهر راكضًا نحو الطريق . ونوافذ الكوخ الريفيّ يجب أن تكون مضاءةً . وبعد ذلك ربما تدوّي صرخةٌ أخرى ، غير أنها ستكون أقل غموضًا ، وأقل افتقارًا إلى الكلمات ، ستكون أكثر راحةً، أكثر سكونًا .

لكن لا ضوءَ ظهر . لا قدمَ سُمعت خطاها . وليس من صرخةٍ أخرى دوّت . فالأولى كانت قد اِبتُلِعت ، وسادَ سكونٌ رهيب . يرقد المرءُ في الظلام يصيخُ السمع . بالكاد كان ثمة صوت . ليس من شيء يمكن أن يرتبط به . ليس من صورة من أي نوع ظهرت لتفسّر الصوتَ ، لتجعله مفهومًا للعقل .

لكنْ حين بدأ ينقشع الظلامُ في الأخير، كان كل ما يستطيع المرءُ أن يراه هو هيأت بشرية غامضةُ المعالم ، بلا شكل تقريبًا ، ترفع عبثًا ذراعًا عملاقة ضدَّ ظُلْمٍ مروّع غامر.


الصورةُ الثالثة
الطقسُ المعتدل ظلَّ متواصلاً . لولا تلك الصرخة الوحيدة في قلب الليل لأحسَّ المرءُ أن الأرضَ قد أرستْ قلوعَها في الميناء ، وأن الحياةَ قد كفّّت عن الاندفاع أمام الرياح ، لأنها وصلت إلى أحد الخلجان الصغيرة الساكتة وأرخت مرساها هناك ، وراحت بالكاد تتحرك الهوينى فوق صفحة المياه الهادئة . لكن الصوتَ ظلَّ يلحُّ . أينما ذهب المرءُ ، ربما كانت جولةً طويلة صعودًا نحو التلال ، شيء ما كأنه يمور باضطراب تحت السطح ، يجعل السلام والأمن والاتزان الذي يحيط بالمرء يبدو إلى حد ما غير حقيقي .

كانت الخرافُ تتجمع كعنقود على جانب التل ، والوادي يتكسّر في موجات تتناقص تدريجيًّا مثل شلال من المياه الناعمة . ثم يصل المرءُ إلى البيوت الريفيّة المنعزلة . الجرو يتدحرج في الفناء . الفراشاتُ تطفرُ وتثبُ في مرح فوق نباتات الجولق . كلُّ شيء بدا هادئًا وآمنًا لأقصى درجة . غير أن المرء يظلُّ يفكر ، هناك صرخةٌ قد مزّقت الهدوء ، كلُّ هذا الجمال كان ضالعًا في الجريمة مع الليل ، الذي قَبِلَ ورضي بأن يظلَّ ساكنًا ، بأن يظلَّ جميلا ، في أية لحظة يمكن أن يتمزّق الهدوءُ ثانيةً . هذه الطِيبةُ ، هذا الأمان كان فوق السطح، وحسب .

بعد ذلك، و من أجل أن يخفّفَ المرءُ عن نفسه وطأةَ مِزاجِه المضطرب الوجِل ، ويسرّي عن نفسه ، يتحوّل إلى صورة عودةُ البحّار إلى الوطن . يتأملّها كلَّها مجددًا مُنتجًا العديدَ من التفاصيل الصغيرة المتنوعة اللونُ الأزرق لفستانها ، الظلالُ التي تسقط من الشجرة الصفراء المزهرة تلك التفاصيل التي لم نستخدمها من قبل .

ها هما قد وقفا عند باب الكوخ الريفيّ ، هو ومخلاته فوق ظهره ، وهي برفقٍ تكادُ تمسُّ كُمَّه بيدها . وقطّةٌ بلون الرمال تتسلّل خلسةً من الباب . وهكذا يستمر المرءُ تدريجيًّا في احتواء الصورة بكل تفاصيلها ، يقنعُ نفسَه بالتدريج أن هذا السكون والسعادة والرضا والجمال من المحتمل جدا أن يمتد تحت السطح أكثر من أي شيء غادِرٍ أو مشؤوم .

النعاجُ التي ترعى ، تموجاتُ الوادي ، بيتُ المزرعة ، الجروُ ، الفراشاتُ الراقصة ، جميعُها كانت في الواقع تشبه كلَّ شيء في العمق . وهكذا يقفل المرءُ عائدًا إلى البيت وعقلُه مثبّتٌ على البَحّار وزوجته ، مُكمّلاً لهما صورةً تلو صورةٍ ، ذلك أن صورةً وراء صورةٍ للسعادة والرضا قد تتمدد وتطغى على ذلك القلق والاضطراب ، تطغى على تلك الصرخة الشنيعة ، حتى يتم قمعُها وسحقُها فتسكن تحت وطأة إلحاحهم ، خارج الوجود .

ها هي القريةُ أخيرًا ، وساحةُ الكنيسة التي لابد أن يمرَّ عبرَها المارُّ، وتأتي الفكرةُ المعتادة ، بمجرد أن يدخلها ، عن السلام الذي يعمُّ المكان ، بأشجاره الصنوبر الظليلة ، وشواهد أضرحته المصقولة ، وقبوره المجهولة غير المسماة . الموتُ بهيجٌ ها هنا ، هكذا يشعر المرء . حقًّا ؟ انظرْ إلى تلك الصورة ! ثمة رجلٌ يحفر قبرًا ، والأطفالُ يقومون بنزهة خلوية جواره بينما هو مستغرقٌ في عمله .

وعندما تحمل المجرفةُ حفنةً من التربة الصفراء لتُقذفها عاليًا، يكون الأطفالُ مستلقين هنا وهناك يأكلون الخبزَ والمربى ويشربون اللبنَ من الأباريق الضخمة . زوجةُ حفّار القبور، الحسناءُ السمينة ، كانت تتكئ بجسدها على شاهد القبر بعدما بسطتْ مئزرَها فوق العشب جوار القبر المفتوح كي تستخدمه كطاولة شاي .

بعضُ كتلٍ من الطمي كانت قد سقطت بين أغراض الشاي . مَنْ ذاك الذي سوف يُدفن ، أتساءلُ . هل مات أخيرًا السيد دودسون العجوز ؟ أوه ! كلا . إنه للشاب روجرز، البحّار، أجابتِ المرأةُ وهي تحملق في وجهي . مات منذ ليلتين، قضى بحمى أجنبية غريبة . ألم تسمعْ زوجتَه ؟ لقد اندفعتْ في الطريقِ وصرختْ هنا أيها الجندي ، تغطيّتَ تمامًا بالتراب . يا لها من صورة !

الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

اديث بياف ( Edith Piaf - Non, je ne regrette rien )

لا ... لن اندم على شيء
لا ... لن اندم على شيء

لا الخير الذي لقيته

ولا الشر الذي احتملته

لقد نسيت الماضي

لا ... لن اندم على شيء

لا ... لن اندم على شيء

لقد تم دفع الثمن

لقد انتهى الان و زال

لا أبالي بالماضي

ذكرياتي التي امتلكها أضرمت بها النار

أحزاني و ملذاتي لم اعد بحاجه إليها

تخلصت من شغفي و حبي

رغم كل المعاناة التي احتملتها

الان تخلصت منها نهائيا

وها أنا أنطلق من الصفر