الأحد، 21 يونيو 2009

لماذا يعشق الزعماء العرب الراقصة - د. أحمد طحان

دعيت كرئيس للمجلس الثقافي، الى ندوة فكرية، وبينما كنت أتداول مع بعض المثقفين بآثار الحرب اللبنانية وسياسات حزب الله ومواقف بعض الأنظمة العربية ازاء التحديات الكبرى القادمة . طلّتْ من رأس القاعة فنّانة معروفة ، فانصرف الجميع تقريبا للترحيب بجمالها وبما ظهر من جسدها الأبيض النافر ، تركني الجميع وبقي بجانبي رئيس المنتدى العربي فقط . اتجه الباقون حتى رجال الدين الى الراقصة ، وفورا ً ظهر أمامي شريط وثائقي سريع يقارن بين وضع العاِلم العربي وبين الراقصة في وطني العجيب : في العالم العربي اليوم ما يقارب من 80 الف عالم حسب تقرير اليونيسكو التحدي الذي يواجه الجنوب بمعدل عالم واحد لكل 3750 انسان عربي . يقابل هذا العدد من العلماء العرب وجود نصف مليون راقصة عربية ، بمعدل راقصة واحدة لكل 600 انسان عربي .

وبينما يزداد عدد الراقصات بفضل جهود الفضائيات العربية وشركات انتاج الثقافة السفلية يقل عدد العلماء العرب بفضل الهجرة والتهجير والابعاد ثم بفضل التقتيل والاغتيالات في الحروب الضالة في المحيط العربي وبخاصة في العراق وفلسطين ولبنان ثم بفضل نصائح الأهل لاولادهم أن يتعلموا الرقص بدلا عن العلوم .

تشير الأرقام الى ان القنوات الفضائية ( النافرة ) في الوطن العربي ُتخرّج راقصة عربية واحدة في كل يوم، مما يعني ان عدد الراقصات المتخرجات في سنة واحدة في الوطن العربي ربما يفوق عدد العلماء العرب خلال عشرين سنة تقريبا ، وبذلك قد يصبح قريبا جدا لكل بيت عربي راقصة .

من ناحية ثانية، تقدر بعض الأوساط ( خصوصا الضرائب والمخابرات وأحاديث النساء ) ان متوسط دخل الراقصة النشيطة في العالم العربي يقدر بحوالي ثلاثة ملايين دولار سنويا ، وهو ما يعادل ألف ضعف راتب العالم العربي النشيط بكل أبحاثه ومؤلفاته واختراعاته ، وهذا يعني ان شركة فنية مقتدرة يملكها أمير مقتدر ماليا تستطيع توظيف كل علماء الوطن العربي بما تشاء من المهن بمستحقات 250 راقصة نشيطة وذات مواهب خاصة . والأمثلة المندية للجبين كثيرة .

فارق آخر طرأ في بالي، بين العلماء العرب والراقصات العربيات هو ان اكثر من 65% من العلماء العرب اما عاطلون عن العمل او يعملون بغير تخصصاتهم وهو ما يسمى اقتصاديا بالبطالة المقنعة بينما هناك اعلانات دائمة عن الحاجة المستميتة للمزيد من الراقصات العربيات النشيطات ذوات المواهب الخاصة وبخاصّة لرجال الأعمال في المناطق البحرية .

قالت بعض أوساط الفضائح في الصحافة اللبنانية وهي الأقوى في العالم العربي أن فلان الفلاني دفع لفلانة الراقصة ستة ملايين دولار من المال واشترى لها قصرا ومحلا للمجوهرات نظير الرقص الدائم وأن الصفقة مسجلة مع كل متتبعاتها على شريط فيديو موجود على بعض الاِي ميلات الخاصة .

الفارق الأهم بين العلماء والراقصات هو أن العلماء يعانون الأمرّين في البحث عن عمل، أو حتى مقابلة أرباب العمل، في الجامعات وغير الجامعات وهم مبعدون عن رجال السياسة والحكم لأن هؤلاء بالعموم يكرهون من يقول لهم لا ، أما الراقصات فيبحث عنهن الكثيرون وبخّاصة الأثرياء والزعماء بل ُتضرب اِليهن أكباد الابل وهنّ في الكثير من المجتمعات المخملية الحكام الحقيقيون في المجتمع ولا يقولون لا مطلقا ً .

العلماء العرب لا دور لهم في النظام العربي الحديث هم مهمشون منبوذون بل ومحتقرون من أنظمتهم كجزء من سياسة التخلّف لأن معظم الأنظمة الحالية تقوم على التلفيق وسرقة حقوق الشعوب والتركيز على الاستهلاك كما تقوم على تقديس انتاج علماء الخارج وتحقير الانتاج الذاتي على قلّته .

العلماء لا يجيدون الرقص على أنغام التفاهة العربية التي تميز الزمن الرديء الذي نعيشه اليوم أمّا الراقصة فهي دائما حبيبة الزعماء العرب لأنهم ( الزعماء والراقصة ) يهيمون بمقامات الخارج ولا يبحثون في القضايا المزعجة وبخاصة مجازر لبنان وفلسطين والعراق والشرق الأوسط القادم الينا مع المشروع النووي الايراني .

لذلك لا يمكن أن يتجرأ مستثمر عربي على انشاء قناة فضائية علمية تهتم بشؤون العلم والعلماء مقابل أكثر من مائة فضائية تتحفنا كل ثانية بآخر أخبار الآهات والايحاءات الراقصة أذكر أنني التقيت الدكتور احمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء خلال عملي مديرا لتحرير مجلة العالم وبحثتُ معه في أهم أسباب التخلف العلمي في الوطن العربي ، مما قاله الدكتور زويل آنذاك أن السبب الرئيسي لهذا التخلف المتطور هو عدم وجود الجدية والمثابرة لدى معظم العلماء العرب أنفسهم وعدم وجود الحرص لدى معظم أصحاب القرار العربي ماليا وسياسيا لتبنّي مبادرات عملية قادرة على تحويل التمني والتغني الى واقع علمي على الأرض .

و قال زويل أنه سمع الكثير من العواطف والوعود من العديد من الزعامات والمسؤولين العرب، بشأن مشروعه للنهوض بالحركة العلمية في البلاد العربية ولكنه كما قال لم يحصل على التمويل اللازم لاقامة المختبرات وتجهيزها على النسق العالمي اللازم وتقديم الحوافز والحماية للعلماء كما أنه لم يجد الدولة العربية القادرة على تحمّل المسؤولية التاريخية للبحث العلمي . هكذا انتهى حلم احمد زويل بنهضة علمية عربية على النسق الذي تعلمه في العالم المتقدّم خلال تجربته العلمية الناجحة.

ذكرتُ في كتابي ( حتمية التغيير في الشرق الأوسط الكبير - دار المعرفة- 2006) أن المتغيرات الهامة في التاريخ، كالثورات العلمية والصناعية لا تحدث فجأة أو صدفة في حياة الشعوب وانما هي نتيجة حتمية لثورات ضخمة وتراكم معرفي واصرار علمي وانساني على التغيير وأن ما حدث في الغرب من نهضة علمية وتقنية انما كان نتيجة محصلة علمية واجتماعية مساحتها اكثر من 400 سنة من الزمان وآلاف العلماء والمحاولات والاكتشافات والخيبات والنجاحات، وقبل كل ذلك نتيجة الاصرار والاخلاص والصدق وانكار الذات من العلماء والانظمة على حد سواء.

عندما نحقق في الوطن العربي متطلبات التقدم العلمي، كما فعل الاوروبيون، وبخاصة تكامل المال والعقول والعزائم، ونتخلّص من عقد الدونية والانهزام والتبعية و الاستهلاك والاستيراد المعلّب عندها يصبح عدد العلماء العرب أكبر من عدد الراقصات . ويصبح انتاج العلماء العرب المالي والحضاري أعظم بكثير من انتاج الراقصات ويصبح الطلب على العلماء أكبر من الطلب على الراقصات . و تصبح المختبرات أهم من البارات وتبدأ الأمة مسيرة النهضة بانتظار الزمن القادم البعيد على ما يبدو، لملمتُ أوراقي الثقافية وانصرفتُ من الندوة .

ليست هناك تعليقات: