السبت، 13 يونيو 2009

الحسد - الطمع - الغيرة - الحب ( عطيل )

في مدينة فينيسيا الإيطالية كان يعيش رجل شديد الثراء و عضو في مجلس الشيوخ في تلك المدينة يدعى برابانيتو ، و كان له أبنه جميلة تدعى ديدمونه و هي شابة رقيقة الطباع حميدة الصفات ، لذلك فقد كانت مطبعا ً لشبان كثيرين من أثرياء المدينة و نبلائها كانوا يتوددون إليها لعل أحدهم يفوز بحبها و تقبله زوجا ً لها ، إلا أن ديدمونه لم يكن يهمها كثرة المعجبين بها و لم تشعر بأي ميل تجاه أي واحد من هؤلاء الشبان المعجبين ولم يلن قلبها إلا لرجل مغربي أسود كان أبوها معجبا ً به غاية الإعجاب و كان يدعوه دائما لزيارته في بيته ، و كان المغربي الأسود جنديا ً شجاعا ً اسمه عطيل و كان يعمل في الجيش التابع لحكومة فينيسيا و عرف ببسالته و إقدامه و تفوقه في جميع المعارك الحربية التي خاضها جيش فينيسيا ضد الجيش التركي ، لذلك فقد أصدرت الحكومة أمرا ً بترقيته إلى رتبة قائد و أصبح بالتالي محلا ً لتقدير و احترام الحكومة و أهل المدينة جميعا .

كان عطيل و بحكم طبيعية عمله و منذ نشأته الأولى كثير السفر و الترحال و قد أكسبته أسفارة العديدة كثيرا ً من التجارب و الخبرات لا أول لها و لا آخر و كانت ديدمونه مولعة بسماعه عندما يحكي ما صادفه في تلك الأسفار من عجائب و غرائب و مغامرات فكانت تطلب منه أن يستطرد في حكاياته و أن يذكر لها كل التفاصيل مهما كانت صغيرة . و كان عطيل يلبي طلباتها بكل ترحاب ، فحكى لها عن تفاصيل المعارك الحربية التي خاضها و الأخطار الجمى التي تعرض لها و كيف كان الموت يحيط به من كل جانب و كيف كان ينجو في كل مرة و كيف آسره الأعداء في إحدى المعارك و باعوه في سوق العبيد و لكنه أستطاع أن يهرب و يفلت من عار العبودية . و حكى لها أيضا ً عن جولاته في الصحاري الواسعة حيث التلال الرملية الممتدة في كل الأفاق و جولاته في المناطق الجبلية حيث الجبال ذات القمم العالية و الصخور الوعرة المدببة الأطراف و الكهوف الواسعة المظلمة الممتدة في بطن الجبل و جولاته في المناطق الرعوية و الغابات حيث تعيش شعوب متوحشة من أكلي لحوم البشر .

و في كل زيارة كان عطيل يقوم بها حين يدعوه السيناتور برابانتيو إلى بيته كان ديدمونه تسرع إلى لقائه و تحرص على الاستماع إلى أحاديثه الشيقة و حكاياته المثيرة و تطلب منه المزيد من التفاصيل . و في إحدى الزيارات طلبت منه ديدمونه أن يحكي له قصة حياته من بدايتها بكل ما كانت بها من مراحل السعادة و مراحل الشقاء . و بدأ عطيل في سرد قصة حياته بحديث أسر ، و كانت ديدمونه تنصت بشغف إلى كل كلمة كان يقولها بل و كانت تذرف دموع عينيها عندما كان عطيل يتعرض لمواقف صعبة أو حزينة في قصة حياته العريضة .

ولاحظ عطيل من اهتمام ديدمونه وولعها بسماع قصة حياته أنها تضمر له في قلبها حبا ً عميقا ً و لكنها لا تستطيع أن تبوح به فتجرأ هو و فتح هذا الموضوع الحساس و باح لها بحبه و أن أقصى أمل له في حياته أن تقبل به زوجا ً لها ، بالرغم من الفروق الاجتماعية التي تجعل مثل هذا الزواج صعبا إن لم يكن مستحيلا ً على الإطلاق باعتبارها سليلة إحدى الأسر النبيلة في فينيسيا و باعتباره شخصا ً عاديا من المغاربة السود . و تداول الحبيبان في كيفية التغلب على هذه المعوقات التي قد تحول بين زواجهما و لم تكن هناك أية طريقة أخرى سوى أن يتفقا على أن يتم زواجهما سرا ً .


و كان السيناتور برابانتيو يأمل في ان تتزوج أبنته بأحد الفرسان النبلاء الذي كانوا يتوددون إليها و يتمنون الفوز بها و لذلك فقد صدم صدمة هائلة حين علم ان ابنته تزوجة عطيل بشكل سري و من دون إذنه ، و اقتنع أن عطيل قد استولى على ديدمونه بطريق السحر الذي لولاه ما كانت تستسلم له أو تقبل الزواج من هذا الأجنبي المغربي الأسود .

و كانت ممارسة السحر في ذلك الوقت جريمة يعاقب القانون مرتكبها بالإعدام و لذلك فقد رأى السيناتور برابانتيو أن توجيه تهمة السحر إلى عطيل تؤدي إلى إعدامه و تؤدي بالتالي إلى التخلص من المشكلة التي أوقعته فيها ابنته ، و على هذا الأساس قدم برابانتيو شكواه إلى مجلس الشيوخ بمدينة فينيسيا لمحاكة عطيل و الحكم بإعدامه ، غير أن حكومة فينيسيا في ذلك الوقت كانت بحاجة ماسه إلى خدمات عطيل باعتباره قائدا ً للجيش ، فقد وصلت أخبار تفيد أن الأتراك قد جهزوا سفنا كثيرة و ضخمة و خططوا لغزو جزيرة قبرص التي كانت تابعة لحكومة فينيسيا و لهذا فقد قررت الحكومة أن عطيل خير قائد يتصدى بجيشه للغزو التركي دفاعا عن الجزيرة .

لذلك قد تم استدعاء عطيل ليمثل أمام مجلس الشيوخ لأمرين . الأمر الأول تكليفه بقيادة الجيش المدافع عن جزيرة قبرص و الأمر الثاني بحث تهمة ممارسة السحر التي يتهمه بها السيناتور برابانتيو الذي اخذ يشرح دعواه و يقدم أدلته و براهينه أمام أعضاء المجلس ، و دافع عطيل عن نفسه دفاعا ً مجيدا ً و اخذ يشرح لأعضاء المجلس قصة الحب العفيف إلي ربط بين قلبه و قلب حبيبته ديدمونه و قال أن الحب العظيم لا تقف أمامه أي عقبات اجتماعية و لا يعرف التفرقة بين الأحبة بسبب الجنسية أو لون البشرة و قال أن ديدمونه أحبته حبا صادقا ً بسبب إعجابها برجولته و شهامته و صدق و نبل أخلاقه و أن علاقته بها كانت منذ البداية علاقة شريفة عفيفة لا تضليل فيها و لا خداع ، و حضرت ديدمونه بنفسها أمام المجلس و اعترفت بأنها أحبت زوجها عطيل بكامل حريتها و رغبتها و إرادتها و اعتذرت لأنها لم تستأذن أبيها في أمر زواجها لأنها كانت تخشى أن يرفض هذا الزواج رفضا ً قاطعا ً و طلبت من أبيها أن يصفح عنها و يبارك لها زواجها من عطيل .

و عندما استمع أعضاء مجلس الشيوخ إلى هذا الاعتراف الصريح من جانب ديدمونه و هذا الدفاع المجيد من عطيل أصدروا قرارهم بتبرئة عطيل من تهمة السحر كما أصدروا قرارا ً أخرا بتكليف عطيل بقيادة الجيش المدافع عن جزيرة قبرص ، و هكذا عفا السيناتور برابانتيو عن عطيل و بارك زواجه من ابنته كما طلبت ديدمونه من زوجها أن يصطحبها معه في رحلته إلى قبرص ، و عندما وصل الجيش إلى أرض قبرص وصلت أنباء مؤكدة بأن عاصفة عاتية هبت على السفن التركية فأغرقت لكثير منها و شتتت باقيها و هكذا لم تنشب الحرب و أصبحت قبرص جزيرة آمنة من أي هجوم محتمل .

غير أن حربا أخرى قد نشبت و اشتعل أوارها و هي حب شنها أعداء عطيل و الحاقدون عليه و على رأسهم ضابط لئيم أسمه ياجو ، و تبدأ حكاية تلك الحرب بان عطيل قد اصطفى من بين ضباط جيشه ضابطا ً شابا ً من مدينة فلورنسا أسمه ميشيل كاسيو و قد حاز هذا الضابط ثقة عطيل و زوجته ديدمونه و أصبح بالتالي مقربا ً لهم ، و أصدر عطيل امره بترقية الضابط كاسيو إلى رتبة أعلى الأمر الذي أثار غيرة و حسد الضابط الشرير ياجو الذى كان يكره عطيل و يكره كاسيو كراهية شديدة و كان يعتبر نفسه احق بهذه الرتبه التي منحت لكاسيو و كان يقول دائما ً أن كاسيو لا يعرف شيئا من فنون الحرب و كل ما يجيده هو ملاطفة النساء بأحاديثه الناعمة .

و هكذا دبر ياجو مؤامرة خبيثة هي إثارة الغيرة بين عطيل و كاسيو فإذا اشتعلت الغيرة بينهما فقد ينتهي الأمر بموت كاسيو أو موت عطيل أو موتهما معا ً إذا دبرت المؤامرة بإحكام و نفذت بدقة ، و ضع ياجو خطته الشريرة لتنفذ على عدة مراحل و كانت المرحلة الأولى هو إيقاع كاسيو في خطا يفقده منصبه الجديد و رتبته العالية التي حصل عليها ، و انتهز ياجو فرصة احتفال الجنود و أهالي الجزيرة عندما جاءتهم أخبار غرق السفن التركية و تشتتها فأوعز إلى كاسيو أن يشرب كثيرا من الخمر أثناء توليه نوبة الحراسة و يعتبر شرب الخمر أثناء القيام بالواجب العسكري جريمة كبرى لها عقوبة مقررة في القانون العسكري . و في الحقيقة رفض كاسيو ان يشرب الخمر في البداية و لكن تحت إلحاح ياجو بدا يشرب كأسا ً وراء كأس ثم زجاجة وراء زجاجة حتى فقد وعيه و اتزانه و أصبح لا يعي ماذا يقول و أصبحت الكلمات ينطق بها لسانه دون ضابط و لا رابط و استدرجه ياجو إلى الحديث عن ديدمونه زوجة عطيل فقال كاسيو أنها أجمل امرأة في العالم و أنها عذبة الحديث و ذكية لماحة .

و بعد أن انصرف ياجو أرسل شخصا مسلحا ليفتعل عراكا مع كاسيو و حدث شجار فعلي استخدمت فيه السيوف و تدخل آخرون لفض الشجار و عمت الفوضى داخل المعسكر و عندئذ أمر ياجو بان تدق أجراس المعسكر للإنذار بان الجنود قد تمردو أو أن شيئا خطيرا ً قد حدث ، استيقظ عطيل مذعورا ً عندما سمع تلك الاجراس و ارتدى ملابسه فورا و اتجه إلى موقع الأحداث ليعرف حقيقة الأمر و لكنه لاحظ ان كاسيو كان سكرانا ً فأمر على الفور اعفائه من منصبه الجديد و تجريده من الرتبه العسكرية العالية التي حصل عليها .

و بذلك نجحت المرحلة الأولى من الخطة الشريرة التي وضعها ياجو و بدأ يدبر المرحلة الثانية من تلك الخطة فذهب إلى كاسيو ليواسيه في حزنه على فقد منصبه و رتبته و تظاهر بالإخلاص الشديد نحو كاسيو و هو يقدم إليه نصيحة ادعى بأنها كفيلة بأن تعيده إلى منصبه و رتبته كما تجعل عطيل يتساهل و يعفو عنه ، و كان النصيحة هي أن يذهب كاسيو إلى ديدمونه و يتوسل إليها لتشفع له عند زوجها ، ولا شك أن عطيل لن يرفض لزوجته طلبا و سيصدر أمرا ً بالعفو عن كاسيو و إعادته إلى منصبه و رتبته و بالرغم من ان هذه النصيحة تبدوا طيبة من الظاهر إلا أن ياجو كان يريد أن يحقق من ورائها أغراضا خبيثة ، و هكذا ذهب كاسيو إلى ديدمونه لكى يرجوها أن تتوسط له لدى زوجها لكي يعفو عنه و يعيد النظر في موضوع عزله من الرتبة و بطبيعة الحال فقد قبلت ديدمونه أن تقوم بهذا الخدمة إرضاء لكاسيو الذي كانت تعتبره صديقا ً للعائلة .

و بالفعل طلبت ديدمونه من عطيل أن يعفو عن كاسيو الذي وصفته بانه شاب رقيق طيب و صديق حميم مخلص و كانت تتحدث عنه بكلمات تذوب رقة و عذوبة ووصفت الخطأ الذي ارتكبه من خطأ بسيط لا يستحق تلك العقوبة الشديدة و بدأ عطيل يلين امام رجاء زوجته بالرغم من انه ذكّرها بأن الخطأ الذي ارتكبه كاسيو يعتبر من الناحية العسكرية خطأ ً جسيما ً يستحق هذه العقوبة و مع ذلك وعدها بان يعفو عنه في الوقت المناسب و لكنها أصرت أن يعفو عنه فورا ً و في هذه الليلة أو في صباح الغد على أكثر تقدير

و في صباح اليوم التالي بدأ ياجو المرحلة الثالثة من خطته الخبيثة التي تتسم بالغدر و النذالة فأخذ يلمح لعطيل بكلام غامض عن وجود علاقة بين كاسيو و ديدمونه و أنها تهتم بأمره اهتماما ً زائدا ً عن الحد المعقول و هذا التصرف من جانبها لا يليق كزوجة من واجبها أن تحافظ على مشاعر زوجها و هكذا أخذ ياجو ينفذ سمومه بالتلميح دون التصريح حتى اشتعلت نار الغيرة في قلب عطيل و كانت أن تحطمه تحطيما ً وبدأ يشكل بكل تصرف تقوم به زوجته و في كل كلمة تقولها ، و واصل ياجو خطته الخبيثة بكلامه الغامض الذي يحمل أكثر من معنى و قال لعطيل انه أدرى منه بنساء فينسيا لأنهن نساء بلده و يعرفهن جيدا ً فهن ذكيات قادرات على التظاهر بعكس ما يفعلن في الخفاء و قادرات أيضا ً أن يخدعن أقرب الناس إليهن و في إمكانهن أن يتزوجن سرا ً من وراء أبائهن ، و المرآة التي تستطيع أن تخدع أباها تستطيع أن تخدع زوجها و تخدع أي رجل آخر مهما كنت صلته بها ، و بالرغم من تلك التلميحات غير المباشرة فقد كان ياجو يختتم كلامه في كل مرة بالثناء على ديدمونه و يقول بكل خبث و دهاء أنها أمرآة فاضلة ذات أخلاق عالية وهي بعيدة تماما ً عن نوعية نساء فينيسيا ذوات الأوصاف غير الحميدة

و لكن قلب عطيل كان يتمزق داخل صدره بعد أن أطاح الشك بعقله كان يفكر أحيانا ً في ان زوجته بريئة من تلك التهمة ثم يفكر في أحيان أخرى في أنها زوجة خائنة تستحق الموت ثم يقول بينه وبين نفسه أن ياجو صديق مخلص و صادق فيما كان ثم يعود و يقول لنفسه أن ياجو كاذب شرير يريد الإيقاع بينه وبين زوجته الحبيبة ، و لم يحتمل عطيل الاستمرار في تلك الحالة النفسية القاسية فأمر باستدعاء ياجو على عجل وما إن ظهر ياجو أمامه حتى أطبق على عنقه وهدده بالموت خنقا ً عن لم يقدم دليلا ً أكيدا ً على خيانة زوجته له ، عندئذ قال ياجو بثبات : هل يذكر أن لدى ديدمونه منديلا ً حريريا ً مطرزا ً بأشكال لثمار التوت ، قال عطيل نعم هذا المنديل الحريري هو أول هدية أهديتها لها يوم زواجنا ، فقال ياجو بخبث يعزز به موقفه في صباح هذا اليوم رأيت كاسيو وهو يجفف وجهه بهذا المنديل و عليك أن تفكر في كيفية حصول كاسيو على هذا المنديل ! وهنا أرخى عطيل يديه عن عنق ياجو وذهب فورا ً إلى حجرة زوجته .

كان ياجو الشرير قد طلب من زوجته إيميليا التي تعمل وصيفة لدى ديدمونه أن تسرق هذا المنديل خلسة من وراء سيدتها لأنه يريد أن يصنع له منديلا ً مثله على أن تعيد المنديل إلى ديدمونه فيما بعد ، و وضع ياجو هذا المنديل في طريق كاسيو الذي أخذه و جفف به وجهه . عندما دخل عطيل لغرفة زوجته ادعى انه مصاب بالصداع و طلب منها أن تحضر منديلا ً ليربط به رأسه فأحضرت ديدمونه على الفور منديلا ً عاديا ً و همّت بربط رأس زوجها و لكن عطيل طلب منها أن تربط رأسه بنفس المنديل الحريري الذي أهداه لها يوم زواجهما وأخذت ديدمونه تبحث عن المنديل دون جدوى لأنه سرق في حقيقة الأمر و هنا أنفجر عطيل غاضبا ً و قال أن لهذه المنديل قدرة سحرية و قد أهدته إلى أمه أمرآة مصرية و قالت لها طالما احتفظت بهذا المنديل فسوف تحتفظين بحب زوجك لك و إذا فقدت هذا المنديل فسوف تفقدين حب زوجك و سيكرهك بنفس قدر حبه السابق ، و قال عطيل في أسى : عندما أهديت لك هذا المنديل يوم زواجنا ألم اطلب منك أن تحافظي عليه كما تحافظي على عينيك ... ؟ قالت ديمونه و قلبها يتمزق حزنا ً : نعم لقد قلت لي ذلك وأنا أذكره جيدا ً لكن لا ادري كيف اختفى هذا المنديل من دولاب ملابسي ... ؟

في الحقيقة الأمر كانت ديدمونه حزينة و كادت تموت من شدة ما تعانيه من رعب و خوف ... فبعد أن علمت بالصفات و القدرات السحرية لهذا المنديل الذي فقدته خشيت بالتالي أن تفقد حب زوجها و خشيت أكثر أن يكرها زوجها بنفس الدرجة التي كان يحبها في السابق ، و مع ذلك حاولت ديدمونه أن تتماسك و تستعيد رباطة جأشها و قالت لزوجها بنعومة و دلال أنها تعتقد أن حديثه عن هذا المنديل المفقود محاولة من جانبه ليصرفها عن التحدث في موضوع صديقها كاسيو و ضرورة العفو عنه و إعادته إلى منصبه و رتبته . و ما إن سمع عطيل اسم كاسيو يتردد على لسان زوجته حتى أصابته لوثه من الجنون و خرج من الغرفة هائجا ً و اعتقدت ديدمونه أن نوبة الغضب غير الطبيعي التي انتابت زوجها ربما تكون بسبب أنباء سيئة وصلته من فينيسيا أو بسبب بعض المشاكل في الجيش الذي يقوده .

و بعد أن خرج عطيل من الغرفة شعرت ديدمونه بحالة من الحزن و الإرهاق الشديد بسبب كل هذه المتاعب التي حدثت تباعا ً فطلبت من خادمتها ان تجهز لها الفراش و استغرقت في نوم متقطع مضطرب ، و عاد عطيل إلى الغرفة و هو يضمر في نفسه سوءا ً لقد قرر أن يقتل زوجته جزاءا ً على الخيانة التي يضن أنها ارتكبتها ن و لكن لأنه كان يحمل لها حبا ً عميقا في قلبه فقد انحنى ليقبلها قبلة الوداع قبل أن يقتلها ، استيقظت ديدمونه على أثر تلك القبلة الحانية و اندهشت عندما وجدت الدموع تترقرق في عيني عطيل الذي طلب منها أن تتلو صلواتها استعدادا ً للموت .

بكت وسألته عن الذنب الذي ارتكبته حتى تلقى هذا المصير التعس فأجابها بانها زوجة خائنة .. خانته مع كاسيو و أعطته المنديل الذي كان قد اهداه لها .. و حاولت ديدمونه أن تثبت طهارتها و براءتها من تلك التهمة الشنيعة و توسلت إليه أن يستمع إلى دفاعها عن نفسها و لكن عطيل لم يكن قادرا ً و لا مستعدا ً لسماع كلمة واحدة فغطاها بملاءة السرير و كتم أنفاسها حتى أصبحت جثة هامدة .

و في نفس اللحظة وصل كاسيو إلى البيت و هو مجروح ينزف دما ً لأن ياجو أرسل إليه رجلا ليقتله و لكن الرجل لم ينجح في تنفيذ تلك الجريمة و أفلت هاربا ً و لكن ياجو قام بقتل هذا الرجل حتى لا ينكشف أمر تلك الجريمة ودوره فيها و عثر في جيب هذا الرجل المأجور على بعض خطابات تثبت بشكل قاطع أن ياجو هو المدبر الوحيد لتلك الجريمة و تحامل كاسيو على نفسه بالرغم من جروحه التي تسيل منها الدماء بغزارة و طلب من عطيل ان يسامحه و يعفو عنه بسبب جريمة شرب الخمر التي أدت إلى عزله من منصبه و تجريده من رتبته و تساءل ببراءة هل تستحق هذه الجريمة أن يقوم عطيل بتكليف ياجو للقضاء عليه و قتله .. ؟

عندئذ اكتشف عطيل كل خيوط المؤامرة الخبيثة الدنيئة التي دبرها ياجو و نجح في تنفيذها و اكتشف أنه ظلم صديقه المخلص كاسيو و ظلم زوجته المسكينة ديدمونه التي قتلت دون ذنب جنته و لم يجد عطيل لنفسه مناصا ً و لا مهربا ً فأمسك بسيفه و اغمده في قلبه و سقط سريعا ً جوار جثة زوجته البريئة .

و بطبيعة الحال فقد اخذ القانون مجراه و حوكم ياجو ، و حكم عليه بالإعدام جزاءا ً على جريمته التي أدت إلى كل هذه الأحداث المؤسفة .. و عندما وصل خبر وفاة عطيل إلى فينيسيا حزن الناس حزنا ً شديدا ً على موت هذا البطل الذي راح ضحية للغدر و الخديعة و الخيانة .

هناك 3 تعليقات:

nouf يقول...

قصة تبين الي ماذا يؤدي الحسد والطمع..والغيرة التي تقتل اصحابها..

غير معرف يقول...

سبحان الله اللهم اكفينا شر الحاسدين جميع المشاكل في الدنيا بسب الحسد والغيرة ولكن ندعوا من الله سبحانه وتعالى ان يحفظنا واياكم من شر الحاسدين وكيد الكائدين اللهم آمين

غير معرف يقول...

قصة رائعة ومؤثرة اللهم عليك بالحاسدين وانت يارب اعلم منا فيهم يارب اننا ندعوك ان تجعل كيدهم في نحرهم حتى يذبحوا انفسهم بايديهم اللهم لا تجعل لهم علينا سلطان