السبت، 25 يوليو 2009

هل الأخلاقية أمر فطري / د.مارك دي هاوزر

في 2 يناير 2007 دخلت امرأة ضخمت الحجم كهوف كانغو في جنوب افريقيا و علقت في المخرج الوحيد ، ما ادى إلى احتجاز 32 سائحا ً أخرا ً وراءها . استخراجها عن طريق الحفر لم يكن واردا ً . و الحل الوحيد شكل معضلة أخلاقية مريعة : إما قتل المرأة لتحرير 32 سائحا ً أخرا ً أو تركها تموت مع نظرائها السياح . إنها معضلة لأنها تدفعنا إلى اتخذا قرار بإنقاذ الأكثرية من خلال التضحية بحياة شخص واحد .

لقد بدأ علم أخلاقيات جديد يكشف الكيفية التي ينظر الناس بها في ثقافات مختلفة إلى معضلة كهذه و يحدد العوامل التي تؤثر على القرار و مايتبع ذلك من أفعال ، هذه الدراسات تشير إلى أن الطبيعة توفر قاعدة أخلاقية موحدة مصممة لدفعنا لإتخاذ قرارات سريعة و غريزية موحدة بشأن ماهو صائب و ماهو خاطئ .

افترض أنك موضوع تجربة في اختبار الحس الأخلاقي ( moral.wjh.harvard.edu ) و هو موقع يطرح معضلات كهذه : هل ستقود قاربك بسرعة اكبر لإنقاذ أرواح خمسة أشخاص يغرقون إن كنت تعرف أن أحد الاشخاص في قاربك سيقع في المياه و يغرق ؟ هل تحجب عن اعطاء دواء لمريض يحتضر علما ً بأنه سيموت من دونه و أنه يمكن استعمال اعضائه لإنقاذ ثلاثة مرضى آخرين ؟ هل ستخنق طفلك الذي يبكي إن كان ذلك سيمنع جنودا ً أعداء من اكتشاق موقعكما و قتلكما اضافة إلى ثمان أشخاص آخرين مختبئين معكما ؟

هذه معضلات اخلاقية لأنه ما من أجوبة صريحة وواضحة تعطي الأفضلية لفئة دون الاخرى الأمر المدهش هو أن الناس من خلفيات مختلفة بن فيهم ملحدون و مؤمنون يجيبون بالطريقة نفسها . فضلا ً عن ذلك عندما يسألون عن أسباب اتخاذهم تلك القرارات يجيب معظم هؤلاء الناس بأنهم لا يعرفون لماذا اتخذوها لكنهم متأكدون من صواب خياراتهم .

في هذه الحالات يقول معظم الناس إنه من المقبول قيادة القارب بسرعة لكنهم يترددون في اتخاذ قرار بالإمتناع عن إعطاء الدواء للمريض . ومع أن كثير من الناس يجيبون في البداية بأنه من غير الوارد خنق الطفل فإنهم غالبا ما يغيرون رأيهم ليقولوا أن ذلك مسموح في تلك الحالة .

ماسبب هذه الأنماط الحالتان الاولى و الثالثة تتطلبان التحرك و الحالة الثانية عدم التحرك ، لكن الحالات الثلاث تؤدي إلى إنقاذ عدد من الناس يفوق عدد الموتى : خمسة و ثلاثة و تسعة مقابل وفاة واحدة . في الحالتين الاولى و الثانية يصبح شخص واحد في وضع أسوأ في حين أنه في الحالة الثالثة يموت طفل مهما كان الخيار و في الحالة الاولى يتأذى أحد الأشخاص نتيجة لتأثيرات جانبية الهدف هو انقاذ خمسة و ليس إغراق واحد في الحالة الثانية الهدف هو وضع حد لحياة مريض بغية إنقاذ ثلاثة آخرين .

المفاجئ أن عواطفنا لا تؤثر إلى حد كبير على احكامنا بشأن ماهو صائب و ماهو خاطئ في هذه المعضلات الأخلاقية . في دراسة شملت أفرادا ً تضرر الجزء الذي يربط بين اتخاذ القرارات و العواطف في دماغهم تبين أن هؤلاء المرضى عند مواجهتم معضلات اخلاقية اتخذوا عموما ً القرارات الأخلاقية ذاتها التي يتخذها معظم الناس هذا يشير إلى أن العواطف ليست ضرورية لإتخاذ قرارات كهذه .

غير أن عواطفنا تؤثر إلى حد كبير على أفعالنا و تقييمنا لما هو صائب أو خاطئ قد يكون مختلفا ً عما نختار أن نفعله في وضع ما . على سبيل المثال قد نتفق جميعا أن قتل شخص لإنقاذ عدة أشخاص أمر مباح أخلاقيا ً لكن عندما يحين وقت قتل أحدهم فإن معضمنا لا يجرؤ على ذلك .

و يبرز مثال أخر على الدور الذي تلعبه العواطف فيما يتعلق بأفعالنا في دراسات حديثة أجريت على أشخاص مضطربين عقليا ً لنأخذ المجرمين الذي لعب دورهما هيث ليدجر في فيلم The Dark Knight و خافيير بارديم في فيلم No Country For Old Man هل يميز هذان القاتلان المضطربان عقليا ً بين ماهو أخلاقي و ماهو غير أخلاقي ؟ تشير دراسات أولية جديدة إلى أن الاشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بإضطرابات عقلية يمكنهم التمييز بين ماهو أخلاقي و ماهو غير أخلاقي حسب ماظهر في إجاباتهم عن المعضلات الاخلاقية . الامر المختلف هو سلوكهم .

في حين أن جميعنا نغضب و تراودنا أفكار عنيفة فإن عواطفنا تكبح ميولنا العنيفة عادة ً ، في المقابل فإن المجرمين المضطربين عقليا لاتقيدهم هذه العواطف الكابحة ، إنهم يتصرفون بعنف مع أنهم يعرفون أن ذلك أمر خاطئ لأنهم لايشعرون بالندم أو الذنب أو الخجل .

هذه الدراسات تشير أن الطبيعة زودتنا بقواعد أخلاقية تؤثر في أحكامنا الغريزية بشأن ماهو صائب و ماهو خاطئ . العواطف تلعب الدور الأكبر في التأثير على أفعالنا : مكافاة الأفعال الفاضلة و معاقبة الأفعال الشريرة ، نحن بشكل عام لا نقترف أفعالا ً غير أخلاقية لأننا نعي انها خاطئة ولأننا لانريد دفع الثمن العاطفي للقيام بأمر نعتبره خاطئا ً .

إذا ً هل كنت ستقتل المرأة الضخمة التي تسد مدخل الكهف أو تتركها تموت مع بقية السياح ؟ إذا كنت مثل الاشخاص الاخرين الذي أجابوا عن اسئلة اختبار الحس الأخلاقي فستقول أن قتلها مسموح لان ذلك سوف يحدث في كل الأحوال . لكن هل بإمكانك أن تقتلها حقا ً ؟

لحسن الحظ كان الحل أبسط : فقد تم استعمال زيوت البارافين لإخراجها بعد 10 ساعات .

ليست هناك تعليقات: