السبت، 5 سبتمبر 2009

ثلاثية الألوان ( الأزرق ، الأبيض ، الأحمر )

من اخراج و كتابة البولندي كريستوف كيشلوڤسكى Krzysztof Kieslowski

( هناك مـن المآسي التي قـد تصيب الإنسان و بالتالي يـجـد صعوبة فـي التحرر مـن الحـزن الداخلي لدرجـة أنـه أحيانا ً يـحاول تـعريض نفسه للألـم الخارجي على أمـل نـسـيـان ذلكـ الحزن إلا أنـه و رغم أن جروح الجسد مؤلمة حقا ً و تنزف الدماء فهي بمرور الوقت تختفي و يختفي مـعها الألـم بشكل طبيعي ، إنما الجرح الأكثر ألما ً هو جرح القلب فهو مـن الصعب أن يلتئم ، جرح القلب ليس مثل جرح الجسد فليس هنـاك مـراهم لتساعـده على الإلتئام بالإضافة أنـه قـد لا يلتئم ، و لكن هناك شئ واحد يمكنه علاج جرح القلب و هو الحـب ) .

يتحدث أزرق عن سيدة تدعى جولي تنتقل للعيش في مكان غير الذي كانت تسكن فيه بعد أن طلبت من محاميها أن يبيع كل أملاكها بعد أن توفي أفراد عائلتها المكونة مـن زوجها و أبنتها فـي حـادث مروري خرجت منه وحيدة عـلى قيد الحياة .

بعد خروجها مـن المشفى تنتقل إلى مكانها الجديد فـي محاولة منها لنسيان الماضي بجميع آلامه الذي لا يلبت إلا و أن يعود لها من خلال الأحداث التي تراها في حياتها اليومية مـن عزف الرجل على ناصية الطريق إلى السيمفونية التي كان من المفترض أن ينتهي منها زوجها الموسيقار من أجل عزفها بمناسبة قيام الإتحاد الأوربي إلى اكتشافها عـن علاقة سرية بين زوجها و إحدى المحاميات و إلـى غير ذلك من الأمور .

كل تلك الأمور من المفترض أن تعود بالسلب على نفسية جولي إلا أنها تنجح فـي الخروج من تلك الحالة ومعالجة الأمور قدر الإمكان بشكل أكثر إيجابية وراحة للبال كل ذلك مـن أجل أن تبعث الحياة في نفسها ، من أجل أن تبعث الحياة مرة أخرى فـي ذكرياتها مـن أجل إيمان جديد و أمل جديد و الأهم حب جديد .

( تشاهد الناس و ترى أمامك أشخاص رائعين بحيث أنك تتمنى لو أن حياتك مثلهم أو أفضل منهم إلا أنه فـي الواقع ما تشاهده أمامك ليس إلا قناع جميل لما يخفيه الإنسان في حياته الخاصة ) .

أما فيلم أبيض فهو يتحدث عن رجل بولندي يدعى كارول متزوج من أمرآة فرنسية تدعى دومينيك ترفـع الأخيرة عليه قضية فـي المحكمة تطالبه فيها بالـطلاق لعدم قدرته على تـلبية احتياجاتها ، و بالفعل تحكم المحكمة الفرنسية بالـطلاق و بالتالي إفلاس كـارول تماما ًلصالح دومينيك فـي دولة لا يعرف فيها أحد بالإضافة أنـه يعيش فـي بولندا أساسا ً .

لذلك يقضي ليلته الأولى في أنفاق القطارات و يعزف بعض المعزوفات البولندية على أمل جمع مال كافي ، و أثناء ذلك يمر عليه رجل بولندي يدعى ماكلوي و يعرض عليه العودة لبولندا بشـرط أن يقتل شخص يرغب بالانتحار ولكنه لا يستطيع أن يفعلها بنفسه لان ذلك قد يترتب عليه ضرر نفسي أكبر على أهل الضحية . فيتعجب كارول و يقول كيف لشخص لديه زوجة و أطفال و أموال و يفكر بالانتحار ؟!

وأثناء تلك الليلة يتصل على زوجته السابقة ليجدها مع شخص أخر تعمدت هي أن تسمعه صوته مما يؤثر بشكل كبير على نفسيته بل أنه قرر الإحتفاظ بعملة الهاتف لكي تذكره بهذا اليوم السيئ بالنسبة له .

ينجح كارول بشكل غير شرعي بالعودة إلى بولندا حيث هناك يسخر كل قدراته مـن أجل أن يجمع القدر الكافي من المال مـن أجل الانتقام من زوجته التي أحبها بالرغم أن تفكيره منحصر على الانتقام منها ! بـل أن انتقامه بالأساس يهدف منه أن تعيش زوجته السابقه الألم الذي عـاشه عندما كـان يحبها ( المساواة في الألم ) .

( عندما تنظر إلى معاناة الناس و تبتسم ، فإنك تتساءل لماذا تلك الابتسامة هل لأنه فـي قرارات نفسك تقول نـحن جميعا ً نعيش المعاناة أو لأنك رغـم معاناتك فـأنت على الأقل أفضل منهم فكل إنسان مهما بدأ لك رائعا فإنه بالتأكيد لديه معاناته الخاصة )

أما فيلم أحمر فهو يتحدث عن فتاة تدعى فالتين ، في أحد الأيام و أثناء قيادتها لسيارتهـا تصطدم بإحدى كلب بالخطأ ، ما يؤدي إلى إصابته ببعض الجروح ، تتفقد الكلب لتجد عنوان صاحبه ، و أثناء وصولها لمنزل صاحب الكلب تجد أنه كبير بالسن و يبدو عليه الحزن و اليأس الواضح ، و حين تخبره بما حصل لكنه يخبرها بأنه لا يهتم .

تقرر الذهاب بذلك الحيوان إلى الطبيب البيطري ليقدم له المساعدة اللازمة ، بعد فترة يهرب ذلك الكلب و يعود إلى منزل صاحبة ( الذي أرسل مبلغ المال الذي دفعته فالتين من أجل الطبيب بالبريد رغم حس البرود الذي أبداه لها في اللـقـاء الأول بينهما ) و هناك تكتشف فالتين أن هذا الرجل يجلس طوال الوقت في منزله و يتنصت على مكالمات جيرانه .

تهدد فالتين صاحب المنزل بأنها ستبلغ عنه إذا لم يتوقف عما يفعله ، إلا أن هذا الرجل يقوم بتشغيل جهاز التصنت على أحد جيرانه ( الذي يبدو فيه فـي مكالمة عاطفية من خلف زوجته ) و يؤشر بيديه إلى منزل من يتنصت عليهم و يقول لها هيا أذهبي و أخبريهم بالحقيقة ! ، و لكنها بعد ذهابها إلى المنزل من أجل إخبار أصحابه عن ذلك التصنت تنظر إلى بنت صاحب المنزل الصغيرة و زوجته و تقرر عدم إخبارهم ؟ لماذا لم تخبرهم ؟

صاحب هذا المنزل المتصنت كان يعمل قاضيا ً و يبدو أن هذا العمل كان عبئا ً عليه في الماضي نتيجة لبعض الأحكام التي أصدرها فمهمة القضاة مهمة صعبة لأنها تحدد مستقبل أشخاص آخرين و أي حكم خاطئ سيسهم بتوجيه مستقبل المتهمين إمـا بشكل إيجابي أو سلبي .

عندما تشاهد شخـص على الطـريق بحاجة للمساعدة , هـل تساعده مـن أجله هـو أو من أجلك أنت ، بمعنى هل هدف مساعدتك له لأنه بحاجه لها أو لأنك تريد أن تريح ضميرك الذي قد يوقضك من منامك ليخبرك انه كـان مـن الأجدر عليك أن تساعده ، تـأنيب الضمير .

هل الأحداث اليومية لك تحدث بمحض الصدفة أو أنه مقدر لذلك من أجل حدث سيحصل لكـ فـي المستقبل ؟ يسقط الكتاب ليفتح على صفحة ما فتقرأ تلك الصفحة لتكتشف في اليوم التالي أن هذه الصفحة هي جواب السؤال الذي أمامك في ورقة الامتحان .

- الـحـريـة ، الـمـسـاواة ، الإخـاء الأزرق ، الأحمر ، الأبيض هذه الكلمات و الألوان الثلاثة تمثل رموز و ألوان الشعار الفرنسي أراد المخرج أن يعكس تلك الألوان الثلاثة على حياة ثلاثة أشخاص في ثـلاثـة أفلام كل فيلم يمثل اللـون و الـشـعـار الخاص به .

- الفيلم المفضل لدي من الثلاثة الالوان هو الأحـمـر لأن السيناريو متميز جدا ً إذ أنـه دمج المـاضي بالحاضر و كأنهما معا ً ، إضافة إلى تعدد الشخصيات و دقة الحوارات و أهدافها و معانيها ، و الإخراج كذلك لا يقل عن قـوة السيناريو إذ أنه كان يصور حياة أكثر من شخص في مشهد واحد مما جعل المشاهـد ينتظر بفارغ الصبر أن يحدث اللقاء بين تلك الشخصيات .

ليست هناك تعليقات: